القائمة الرئيسية

الصفحات

وزير الشّؤون الدّينية: بين السيّارة والسّيرة


 

في اليومين الماضيين صرنا نصحوا وننام على وقع قضية بالونية منتفخة نفثت فيها السموم، لقد تغيّر بعدها مجرى حياتنا، فجّرها إعلامي سخّفه أحد رجل زوالي من أبناء الشّعب المسكين الذي لا يقيم بهذا البلد ولم يولد على ترابه وله جنسية بلد آخر… وله أيضا سيارة تسوى مئات الملايين متعددة الجنسيات هي الأخرى، طافت عدة بلدان وفي الأخير حُجزت في أرض سيدي محرز، والله أعلم بقصة تلك السيارة لماذا حجزت؟ ومتى حجزت؟ وعند من حُجزت؟ والأدهى والأمر ما الذي تمّ حجزه في السيارة؟؟؟ وفي كل الحالات الأمر ليس قضية رأي عام ولا يعني أحدا في شي، ولو أي شخص لديه حقّ فالقضاء سينصفه والدولة سترجع له أو تعوض له بالطريقة التي يضبطها القانون ولا تحدّدها الاذاعات.

لقد تم التشهير بإجراء عادي جدا يعرفه القاصي والدّاني وليس غريبا فيوميا الديوانة تحجز أنواعا وأشكالا من الأمتعة والسيارات المخالفة للقانون أو التي فيها إشكاليات وبعد مدّة حددها القانون يخوّل لها أن تتصرف فيها وتحيلها لتصبح ملكا من أملاك الدولة، وتسند لوزارات الدولة لا لشخص الوزير كما أرادوا إيهام النّاس.. من خلال تكرار وتركيز متعمّد على إسم الوزير وصفته وصورته بل حتى نشر لصورة السيارة ورقمها وغير ذلك من التصرفات التي تبيّن حجم التحامل والتهييج على الوزير وتصويره بعبارات من نوع: “استولى” و”استحوذ” و”افتك”… والحال أنه إجراء روتيني تمّ ويتمّ وسيتمّ بنفس الطرق القانونية، بين مؤسّسات الدولة بل الأكثر من ذلك أن كل إجراءات نقل السيارة وإحالتها وتسوية وضعيتها تمت منذ ما يقارب العام والوزير ليس في تونس جينها وإنما هو قي البعثة الرسمية في الحج آنذاك ولا علاقة له بها من قريب ولا من بعيد، لأنّ المسألة إدارية وليست شخصية، وحتى لو هناك نزاع فليكن بين مالك السيارة السّابق وما أكثر ملّاكها لأني سمعت أنها مسروقة وماهيش خالصة ومحل تفتيش من بلاد لبلاد في أوروبا والانتربول يبحث عليها.. فلو هناك نزاع فليكن بين من مُسكت عنده السيارة المسروقة والجهة الرسمية التي حجزتها، فبالله عليكم ما دخل الوزارة والوزير.. وحتى لو سلمنا بالسيناريو الذي سمعناه، من أدرانا بأنها تلك هي السيارة المقصودة وصاحبها مضطرب في وصفها ولونها و و و… وهل نحن مخولون لنحكم له أو عليه، وهل السيارة أصبحت ملك للوزير وباسمه أم أنها أصبحت ملكا من أملاك الدولة التونسية؟ أم أنه بحث على فضيحة والسّلام لشيطنة الرجل الذي أوقف العبث والفساد بالوزارة وأحال ملفات أصحابها إلى القضاء .. لقد أحال الوزير ملفات عديدة للقضاء.. وهذا الي يخليه يولي خايب، وتتخدم الحلقة كردة فعل على شكاية ترفعت ضد زميلة لهم، وهذا قطرة من بحر الملفات الي ما تجرأش حتى حد قبله باش يقربلهم. ومع ذلك فالوزير إبراهيم الشائبي ليس فضائحيا ولم ينشر ما وقع بين يديه من تلاعب السنوات الماضية بملفات مهمة ورفع أمرها للقضاء دون تشهير بأحد، ولأن الوزير لم يسكت على مئات الملايين من الاقتطاعات التي تخصم بإمضاءات مدلسة لفائدة النقابات من منح الأئمة والمؤذّنين والمنظفين دون رغبة ودون علم من الاطارات المسجدية الذين تحدث عنهم الإعلامي وقال أنهم يخلصوا شوية والوزير راكب في كرهبة بمئات الملايين في مقارنة مضحكة ومشابهة بالمقارنة الي عملها بين الوزير الحالي والوزير السابق إلي قال أنه الوزير السابق ما تحرّك بالسيارة كان 800 كلم ههههههه تي الوزير السابق حتى لو كان نفرضوا أنه ما خرج لحتى نشاط وما قام بحتى زيارات عمل ميدانية في الجهات، راهو يوميا يجي بالكرهبة من بنزرت ويعاود يرجع يعني 800 كلم يمشيهم كل جمعة في تنقله بين الدار والوزارة. بينما الوزير الحالي عنده سائق واحد فقط رغم الي عنده الحق في اثنين ويروح لداره يسكن في حي شعبي في سيدي حسين وما غيرش إقامته رغم عنده الحق في امتياز مسكن وظيفي، بينما كاتب عام الجامعة النقابية ساكن في دار في العوينة تابعة الوزارة والماء والضوء على حساب الجامع ونفس الشي عامله لولده دار في جربة على حساب الوزارة وماء وضوء على حساب الجامع، وعندما جاء الوزير الحالي اتخذ قرارات ضدّ استغلال صفاتهم النقابية لاستغلال الملك العمومي للمساجد، ولّى هو الفاسد، رغم أنه ضرب المثال وبقى ساكن في داره وسط الناس وفي سيدي حسين ورفض الحراسة والنسيج الأمني وابنته تدرس في مدرسة عادية مع أولاد الشعب وابنه الي سبق وعيّرتوه بإعاقته العميقة في حملتكم المسعورة إلي صارت قبل هذه الحملة مسجل في مركز معاقين خاص يخلّص فيه على حسابو الخاص حتى مليم ما هو على الدولة رغم أنه حامل لإعاقة عميقة جدا ومكلفة جدا. والكرهبة كل ليلة يكمل خدمتو يبيتها في مركز الشرطة، لأنه ما يفكرش بمنطق الغنيمة ولأنه يخرج من بيروه بشكل شبه يومي في حدود الحادية عشرة ليلا، وكيف ما صورت الكرهبة في غاراج الوزارة زيد ابعث اسأل الوزير وقتاش يروّح كل ليلة، وكمل اسأل الشوفور متاعو كيفاش في مهماته الرسمية لا يتحرّج من أن يصعد معه الأطفال في السيارة ويصوروا فيها، واسأل السائق كيفاش كل صباح كيف يكون في طريقه للعمل يكلفو بش يركّب في السيارة الناس الكبار والمرضى الي يستناو الصباح في النقل الريفي يبعثه ليهم يطلعهم في الكرهبة وتوصلهم إلى مصالحهم في الصباح وما يعرفوش الي هي كرهبة وزير فقط يقولو ولد حلال لأنه متواضع جدا وما يحكيش وما عندوش مرتزقة وما وراهوش ماكينة.. وماهوش مغروم بالبوز والبروباغاندا وأكبر دليل على ذلك أن تونس كاملة تعرفه سنين طويلة في التلفزة والإذاعة قبل ما يولي وزير، وللأسف أنّه الإعلامي الي حكى عليه يعرف دماثة أخلاقه سنين في الإذاعة، نعم إبراهيم الشايبي ولد الإعلام قبل ما يولي وزير ولم يقم بتنزيل أجوبته وبرامجه وخطبه ومحاضراته ودروسه على شبكة الانترنت وصفحات التّواصل الاجتماعي، وليس له إعلام إلكتروني أو إعلام رقمي شخصي، وأستغرب كيف أنّ إبراهيم الشايبي الذي أنجز آلاف الحلقات من البرامج الدّينية التّلفزية والإذاعية فكرة وتصوّرًا وإعدادًا وتقديمًا لا يملك حتّى صفحة فايسبوك إلى اليوم ولم يحاول يوما تنزيل شيء يخصّه في الإعلام الرّقمي والإلكتروني في الوقت الذي بات فيه القاصي والدّاني ينزّل في صفحته كلّ شاردة وواردة من فيديوهات صوّرها لنفسه بنفسه.

إلّا أني بقيتُ ألومه بشدّة على ذلك التّرك، وكان آخر تلك المحاولات ليلة البارحة حيث بقيت أقنعه بوجوب انجاز صفحة أو فتح حساب على الفاسبوك حتى يردّ فيها المخلصون من منتسبي الوزارة وعارفوه وأحبابه وطلابه على من امتهنوا الكذب واحترفوا التّشويه، واستنقاص من لا يروق لهم نهجه الإصلاحي بالوزارة. فلم أجد منه حماسا وتولّيت بنفسي مؤونة الذّب عن عرض الرجل وسأشهد شهادة حق فيما أعرفه عنه في رسالة مضمونة الوصول لمن يهمّه الأمر.

وان كنتم تبحثون عن فضائحه تعالوا أحدّثكم:

وبالمناسبة مادام كثرت الناس الي تخدم باسم حشاد كان هناك متشرد يبات في ضريح فرحات حشاد مقابل الوزارة يوميا الوزير يقتسم معاه فطوره طبعا الي يجيبو الوزير من الدار وحتى الشاي الذي يقدمه للضيوف شاريه بفلوسو. وكم من مرّة يستقبل المواطنين الي يحبو يقابلوه ويمدلهم من جيبو، وبرشة زووالة ووضعيات اجتماعية خذاها على عاتقه وهذا موش هو يحكي فيه حاجات شفتها انا مباشرة وشهادات قالتها الناس الي عرفته حتى من بعض القطاعات الأخرى كيما النواب متاع وزارة التربية وغيرهم كانت احتجاجاتهم دائما مقابلة الوزارة كان يكلم الوزراء عليهم ويهزهم لرئاسة الحكومة ويحاول يلقالهم حلول ويعطي لعدد منهم ركوبهم للعودة إلى جهاتهم من عنده، وعندما كرّم المكفوفين كلفني بأن أشتري لهم أحسن نوع من العصي البيضاء من ماله الخاص، وقال لهم هي هدية من الوزارة، كذلك مساهماته مع المرضى والمصابين الذين عادهم في بيوتهم وفي المستشفيات، ويوم افتتاح المكتبة اشترى ما يقارب مائة كتاب وتبرّع بهم لمكتبة الوزارة.

وأشهد الله أني لم أسمعه يوما ينادي على أي موظف أو عامل أو حاجب أو سائق أو منظفة بإسمهم أبدا وإنما يقول له بتلطّف: “سي فلان” أو “مدام فلانة”، وفي افتتاح كلماته في الندوات ينادي كل أبناء الوزارة “بزملائي”، ولا يجد حرجا في أن يوصل من حين لآخر الملفات بنفسه إلى مكاتب الموظفين، ويقف بنفسه على الأشغال التي أرجعت للوزارة بريقها. وهو رغم صرامته وجديته إنساني للغاية ويجبر بالخواطر كثيرا، وصاحب مواقف، ومما أذكره أنه في أحد الأيام تعطبت سيارة لنا ونحن نرافقه في مهمة إلى ولاية المهدية فاتصل بنا يسأل عنّا فعلم أنّ سيارتنا بلا بنزين، فعاد أدراجه وذهب إلى كيوسك بنفسه واشترى بيدون وملأه بالبنزين بماله الخاص واكترى رجلا على دراجة نارية ليدله على الطريق وعاد إلينا ولم يواصل طريقه إلا بعدما اشتغلت السيارة. أمّا خارج تونس فحدّث ولاحرج ففي سفر مع وفد مرافق له للمملكة العربية السعودية لإجراء ترتيبات الحج، وصلنا مطار جدّة وكانت هناك قبالة سلّم الطائرة سيارة تشريفات فاخرة لاستقبال الوزير ونقله للمدخل الشرفي فقط ، قال لهم لن أغادر ساحة المطار إلّا بأن يحظى الوفد المرافق لي وهو متكوّن من أربعة أفراد بنفس المعاملة كلّنا نمثل راية تونس، فقالوا له: “تفضّل معاليك ونحن سندبّر الأمر”، لكنه رفض، واستمر الأخذ والرد طويلا، ولم يرد الوزير أن يتركنا في المطار وحدنا، وأبى أن تنطلق سيارته وبقي ينتظر معنا وأبى إلا أن نرافقه. وانتظر معنا حتّى توفّرت لنا نفس امتيازات الوزير. هكذا كان الوزير الذي تشيطنونه يكرم منظوريه في الداخل، ويرفع من أقدارهم في الخارج.

إبراهيم الشايبي أبان عن معدنه في السّنوات التي قُدّر على التّونسيين فيها أن يعيشوا شرعنة العنف باسم المقدّس، كان في مقدّمة من يذبّ على حرمة هذه الأرض ويذود عن تاريخها، في زمن المتعالمين الوافدين و”الدعاة – الغزاة” ، لم ينخرط في ذلك الحياد المغشوش والسّكون الغريب ولم يتردّد في القطع مع التدين المظهري والتأسلم المصلحي. وبمخالطته أدركت أنّه رجل وهبه الله حظاً وافراً من الإخلاص، مواقفه دائما مبدئية لا يجامل فيها أحدا ولا يلتمس فيها رضاء كائن من كان، فقد عهدته ممن لا يَخَافُونَ فِي الحَقِّ لَوْمَةَ لَائِم.

والآن وبعد الحملات المتكرّرة التي لم أجد الوزير متحمّسا للرّد عليها وكلما قلت له أن من حقنا أو من واجبنا أن نردّ عليهم ، إلّا وأجابني: ”الصبر والصمت”، الآن لم يترك لي ما قيل فيه من تهم وسب عذرا في السّكوت، ومرادي هو الإعذار إلى المولى عزّ وجل وتبرئة ذمّتي يوم أقف بين يديه وأُسأل عن كتماني الشّهادة وترك صفحتي فارغة قبالة صفحات من يرون في تشويه الوزير بالزور والبهتان حريّة تعبير بلا خطام ولا لجام ولا زمام بلغت حتّى التشفي في ابتلاءات النّاس والتنمّر من مصائبها لا لشيء سوى لأنه تحمّل مسؤولية في ظرف دقيق وفي لحظة حساسة في تاريخ تونس وفي وزارة صعبة المراس.

ولو كان الاشكال المطروح فيه وجهات نظر لكان من حق أي كان أن يحاول الانتصار لوجهة نظره بأدب واحترام، لا أن يتمسّك بمقولة: “معيز ولو طارو” ونستبسط المستمع ونروي له خرافة: “وزير فك كرهبة مواطن بالخارج..” بهكذا استخفاف بعقول الناس.. ونقدّمه على أنه صاحب قضية فساد ويحرّكون ذبابهم الالكتروني عليه لانطلاق الحملة، التي لم أعد أعرف عددها كم؟ لأنها حملات كثيرة ومتتالية لكن كلها باءت بالفشل الذريع.

إنّي مؤمنة بأن النّيل من أي إنسان لا يدخل في خانة حرّية التّعبير فما بالك إذا كان المُساء إليه هو إبراهيم الشايبي الذي استأمنه التونسييون على أمر دينهم منذ فجر شبابه وكانوا يستفتونه ويثقون فيما يقول سنوات طويلة.

وإنّي على يقين تام من أنّ ما نشر من افتراءات وشتائم في حقّ الرجل، ولن تهزّ شعرة من رأسه، ولن تزده إلّا إصرارا على موقفه، بل إني أعتبر أنّ حملات الهجوم التي يتعرّض لها من جهات مختلفة وساما على صدره وقد حفظنا من المتنبي أن المذمّة التي تصدر من ناقص تُعدّ شهادة فخر، ولكن الذي روّعني حقا هو بثّ روح الترذيل للدولة والاستهانة بمؤسّساتها والترويج لشيطنة الرجال الذين خدموا البلاد في سياق مفصلي يعتبر الصّمت فيها على الافتراء عليهم جريمة، ولا يسعني إلّا أن أصدع بموقفي دون خجل ولا وجل وأن أكسر طوق الصّمت:

إنّ السيارة ليست سيارة إبراهيم الشايبي، إنها سيارة الدولة التونسية، وستبقى للدولة التونسية بعد انتهاء مهمته ولن يأخذها معه ولن تصبح من أملاكه وليست مسجلة باسمه، ويوم خروجه لن يأخذ معه سيارة سيأخذ معه سيرة ومسيرة، سيرة طيبة ومسيرة مشرّفة مليئة بالإنجازات لفائدة القطاع فإطلالة سريعة على صفحة فايسبوك الوزارة والأنشطة التي قام بها عموما والنجاحات التي حصدها والتي غطّاها الإعلام الحرّ النزيه والشهادات المنصفة لكفيلة بتفنيد الأكاذيب. وحسبه أنّه بذل جهده وأخلص لله قصده، وسيعود يوم إتمام الرسالة وأداء الأمانة من حيث أتى أستاذا جامعيا لمدارج الكلّية ينفع طلّاب العلم، ليواصل مسيرته وهو ما زال في أوج عطائه في الأربع الأربعين من عمره يخدم بلاده من أي موقع.

إبراهيم الشائبي يشهد له الكثير من تونس ومن خارجها بغزارة وسعة ثقافته وقد لاحظت ذلك في مختلف اللقاءات التي حضرتها معه مع ضيوف من خارج تونس، حتىّ عرفت فيما بعد أنّه مؤلّف عشرة كتب، ومتحصّل على ديبلوم الدِّراسات الدُّولية من معهد العلاقات الدُّولية، وعلى شهادة في القانون الدّولي الإنساني من اللَّجنة الدّولية للصليب الأحمر، وعلى شهادة تكوين في مجالات التصرُّف الإداري الحديث من المدرسة الوطنية للإدارة.

إبراهيم الشايبي تربى على العطاء ولم يترب على الجشع والطمع، جدّه لقّبه الناس بـ “الله كريم” الكلمة التي كان يُردّدها عندما يُلام على فرط جوده وبالغ كرمه وسخائه وإيثاره على نفسه، ووالده أستاذ وإمام وشيخ زيتوني ومُربٍ فاضل ورجل وطني يعرف قدره الرّجال، باع منزلين وبنى بهما مدرسة، ولمّا أرادت الدولة تكريمه بالحج في مناسبتين عندما كان ابنه الوزير تلميذا رفض وقال لا أحج إلّا بمالي الخاص، وحتى بماله الخاص قرر أن لا يحج لا هو ولا أم الوزير وقد بلغا من الكبر عتيّا مدام ابنهما وزيرا للشّؤون الدينية.. لذلك قد تصدم عندما تعرف أنّ تونس مازال فيها برشة شرفاء ونزهاء ما ينظروش للدنيا بنظرة الجوعى، وللمناصب بنظرة الغنيمة، ويطبق القانون ولو على نفسه ويرجع فيها فلوس مهمة ما للخزينة لأنه صاحبها ما استحقهاش الكل..

إبراهيم الشايبي ليس عبدا للمال ولا ريحة الفال عنده السيارات، أوّل نهار دخل فيه للوظيفة منذ أكثر من العشرين سنة جاء بمرسداس 250 وكان مسخّرها للعمل وحتى كيف غرقت في إحدى الفيضانات أثناء مأمورية عمل لم يطلب تعويضا، وبعدها اشترى سيارة كليو من الباكو، ولما سمع أن أحد أقاربه يريد أن يدرس بالخارج وطلبوا عليه مبلغ مؤمّنا باعها وعطاه حقها يكمّل بيه قرايته فشرف الانسان في علمه وليس في سيارته، وعندما بدأت محنة كورونا تشتد، وبدأ النّاس يملؤون خِزَانات بيوتهم بالقوت، ملأ الشايبي خزّان سيارته بالوقود وذهب ليهبها برمّتها لوزارة الصحّة في سرّية تامة دون أن يعلم بذلك أحد، سوى أحد أعضاء اللّجنة الوطنية العليا لمقاومة فيروس كورونا ومدير عام بوزارة الصحّة سابقا، وقال أنّها سيارة لفاعل خير، وآثر بلده على نفسي وقيل له: “يكفينا منكم الدّعاء”. ولو قُبلت هبته لكتم الأمر خشية الرّياء، ولكنّ باح بها منذ يومين أحد الشهود على صفحته على الفايسبوك عسى أن تكون محفّزا للاقتداء، أو باعثا للحياء عند الذين لم تجن منهم البلاد غير الغوغاء.

ومع ذلك لم يكتف بالدّعاء كما تريد أن تحقّر من شأنه وتصوّره بأنّه: ” جرد مدّب يدعي، ومتاع وضوء وتيمم، وفاش دكتور…”؟؟ نعلمك إلي هو صاحب أول دكتوراه تربط الفقه بالسوسيو-أنتروبولوجيا، ففي مقبرة الجلاز وبعد ما شاهد التونسيين ملتاعين ويمنعون من تشييع موتاهم تطوّع تلقائيا بالطواف على قبور الموتى بالكورونا الذين دُفن بعضهم بلا صلاة جنازة بسبب الخوف وضعف الفتوى، وسأل عليهم عمّال البلدية وصلّى عليهم في قبورهم، وأجره على الله.

ومّما أثار الاستغراب هو التركيز المفرط على الوزير وكأنه قاطع طريق يفك في السيارات، وتصوير السيارة ونشر وثائقها ورقمها للعموم، والله لا ثمة حتى دولة في العالم يسمح فيها بالعبث بالأمور السّيادية وبتصوير سيارة رسمية وهي موجودة في مبنى رسمي للوزارة وتستعمل فيها شخصية رسمية في رتبة وزير عضو حكومة وتهيّج عليه في النّاس وكأنه لصّ تفطنت إليه وتعرّض حياته للخطر والاستهداف، كنت تنجم تقول هناك مواطن عنده إشكال في حجز سيارة منذ سنوات والسيارة أصبحت ملك الدولة والقانون يأخذ مجراه، موش تظهر الحكاية وكأنها كرهبة مخطوفة وانت المفتش ديريك لقيت شكون الي هرب بيها وتحرّض في الناس عليها باش يفكوها أو يعتدوا عليها وكأننا في غابة .

وعلى كلّ حال السيّارة لا تصنع الوزير، والمركوب لا يصنع المسؤول، وقد قال ابن المقفّع: “إنّ الرجل ذا المروءة قد يُكرم على غير مالٍ كالأسد الذي يُهاب وإن كان رابضاً، والذي لا مروءة له يُهان وإن كان كثير المال كالكلب لا يُحفل به وإن طوِّق وخُلخِل بالذهب”.

ولله درّ المتنبي القائل:

مَن كانَ فَوقَ مَحَلِّ الشَمسِ مَوضِعهُ *** فَلَيسَ يَرفَعُهُ شَيءٌ وَلا يَضَعُ

إِنَّ السِلاحَ جَميعُ الناسِ تَحمِلُهُ *** وَلَيسَ كُلُّ ذَواتِ المِخلَبِ السَبُعُ

وحفظنا من تراثنا مثلا يقول: “الفرس على فارسها”.

أمّا الوزير إبراهيم الشائبي فلا نعتقد أنه استمد مجده وهويته من سيارة حتى يأفل بأفولها، ولا نزعم أنّه من الملائكة حتّى تترصّدون له العثرات بالمناقيش، فهو بشر يجتهد وقد يصيب وقد يخطئ شأنه شأن سائر المسؤولين في البلاد، ولكنّه لم يفرّط ولم يخن ولم يركع رغم ما أصابه من سهام مسمومة منذ تولّيه الوزارة، لكنّه لم يسلّم الوزارة يوما لقمة مستساغة للانتهازيين الذين استنزفوها وامتصّوا دمها، نحن أبناؤها نصلح من الداخل دون تشهير وتدمير، نقوم بنقدنا الذّاتي بهدوء ورصانة وسنصنع لها غدا أفضل.

وقد يذهل من يرمونوه بالفساد عندما يعلمون أنّ موسم الحج الذي ترأسه إبراهيم الشائبي تم دون أن يصطحب فيه أي مليم ضمن وكالة الدُّفوعات، وهي المرة الأولى في تاريخ الحج التي لم تخصّص فيها ميزانية “ريجي” وتكفل بالنفقات المتعلقة ببعض الاحتياجات على حسابه ولم يكلّف الوزارة مليما واحدا. وهكذا تغلّب القيام بالواجب والتضحية على التمسك بالدينار والريال، و قد حقّق الموسم في تلك السنة نجاحا باهرا بفضل اجتهاد أعضاء البعثة وتضحياتهم.

وهذا جدول المبالع المخصّصة لنفقات مواسم الحجّ الماضية:

الموسم المبلغ

1436ه/ 2015م 50,000.000 دينار

1437ه/ 2016م 50,000.000 دينار

1438ه/ 2017م 15,000.000 دينار

1439ه/ 2018م 33,000.000 دينار

1440ه/ 2019م 25,000.000 دينار

1441ه/ 2020م لا يوجد موسم (كورونا)

1442ه/ 2021م لا يوجد موسم (كورونا)

1443ه/ 2022م صفر مليم

ألم أقل لكم أنّ السيرة تبقى والسيارة تبلى، فما أكثر فسادك وما أكثر فضائحك.. في الأعين الرُمد، أيّها الوزير..

تعليقات